من الواضح أن الغضب المجتمعي آخذ في التزايد بين الناس الذين يرون أن عدداً من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي قد تجاوزوا كل الحدود، واخترقوا بشكل فاضح وعلني قواعد ظلت مرعيةً لعهود طويلة ولا تزال، حتى باتت جزءاً من هوية مجتمع لا يرغب في التخلي عنها، حتى وإن فاجأتنا التكنولوجيا بأن سحبت البساط من تحت أقدام الجميع، معلنةً عصراً جديداً من الحريات والانفتاح، داعيةً من خلال تافهي مواقع التواصل إلى التخلي عن كل الثوابت.
يجتهد هؤلاء في نشر وتكريس أفكار وسلوكيات لا علاقة لها بالمجتمع، عن طريق المجاهرة العلنية بها ليل نهار عبر شخصيات قدمت نفسها للناس باعتبارهم فاشينيستا مرة، ومشاهير مرة أخرى، ومؤثرين مرة ثالثة، وقادة للرأي وصُناعاً للذائقة العامة، وهكذا تتحول ثرثرتهم إلى أفكار ثم إلى قناعات، وبعد أن يعتادها الناس تتحول إلى سلوكيات.
هذا التراكم المستمر لهذا المحتوى المخجل من التفاهة الذي تعج به حسابات من جعلناهم يقودون رأينا وذوقنا وتوجهاتنا ويملؤون أوقاتنا، لم يصبح هكذا بين ليلة وضحاها، وهؤلاء المشاهير الذين أصبحوا يشترطون على مؤسساتنا الوطنية مبالغ طائلة مقابل ظهور سطحي أو تغطية بسيطة أو دعاية مبتذلة، قد تجاوزوا أكثر مما يجب، لذلك انتفض الناس وغضبوا وشعروا بحجم الإهانة والاستغفال، ومع ذلك نجد مِن بيننا مَن يقول لهم: استمروا، لا عليكم من منتقديكم!
من الضروري أن نحاسب، وأن نقف أمام مرآة أنفسنا ونسأل: إلى أين نذهب بأنفسنا ومجتمعنا ووقتنا وأخلاق أبنائنا؟ ألا تضع الدولة وتنفق على برامج القراءة والثقافة، فأين أثر ذلك في السوشيال ميديا؟ ألا تنفق على الجامعات وأبحاث الفضاء والمساعدات الخارجية وإشاعة قيم السلام والتسامح و…؟ فلماذا لا نجدهم يُعلون شأن هذه الثقافات والاهتمامات والقيم، بدل الثرثرة الفارغة وتعليم وضع الماسكرا وأحمر الشفاه للرجال؟