ظواهر عديدة طفت على السطح في مجتمعاتنا العربية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور البرامج التلفزيونية التي اقتبست من البرامج الأجنبية وكذلك المسلسلات المدبلجة وغير المدبلجة. وهو ما أفرز ظاهرة التقليد التي باتت تنتشر كالنار في الهشيم في العديد من البيوت خاصة لدى الأجيال الصاعدة والمراهقين. فنجد الصغير والكبير بات يقلد أو يتقمص شخصية انجذب لها إما بسبب شكلها أو صوتها أم حركاتها، وهو ما يعتبره العديد من الخبراء والمتخصصين ظاهرة ذات آثار سلبية أكثر من الإيجابية.
ورغم التحذيرات إلا أن العديد من المقلدين يعتبرون أن هذه الظاهرة ليست بتلك الخطورة، بل ساهمت في أحيان كثيرة في نجاحهم وجذب الأضواء إليهم والكشف عن مواهب فنية.
حول هذه الظاهرة وما تحمله من سلبيات وإيجابيات كان هذا التحقيق..
ميرا النقبي إعلامية وناشطة على مواقع التواصل تقول: قلدت في صغري العديد من المشاهير والنجوم والإعلاميين العرب والأجانب، ومع انتشار وسائل التواصل بدأت في تصوير مقاطع أقلد فيها هؤلاء المشاهير، وخلال فترة قصيرة أصبح لدي الآلاف من المتابعين على حساباتي الإلكترونية، وهو ما ساهم في أن أصبح وجهاً إعلانياً لعدد من الماركات والعيادات والمراكز الطبية والتجميل. لذلك أعتبر أن هواية تقليد المشاهير حققت لي العديد من المكاسب المادية والمعنوية، وجعلتني معروفة في مواقع التواصل الاجتماعي.
جمال الكعبي يقول: منذ أن كان عمري 13 سنة بدأت أقلد نجوم الإعلام العربي من مذيعين ومراسلين إخباريين، وكوني أحب فترات المطر أصبحت أعمل على توثيق لحظات هطولها ونقلها للجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت أصور مقاطع فيديو للحظات تشكل السحاب وهطول المطر وما بعده، ثم وضعه على حسابي على الإنستجرام وحظيت هذه الفيديوهات بمتابعات كبيرة، كوني كنت أقلد مقدمي النشرات الجوية باللغة الفصحى وبصوت مميز وقمت بتوظيف موهبتي في الصوت على مواقع التواصل الاجتماعي. ويؤكد الكعبي أن هواية تقليد مشاهير الإعلام والمذيعين العرب ومقدمي النشرات الجوية جعلتني ألتحق بالعمل في المجال الإذاعي من خلال العمل في إذاعة الشارقة، وأصبحت صوت الإذاعة في الإعلانات والفواصل.
علي حسين (15عاماً) يقول: أصبحت مدمناً على تقليد مشاهير الألعاب الإلكترونية المتنوعة، حيث أقوم بتقليدهم في لباسهم وطريقة كلامهم وسلوكاتهم، وبعد فترة قمت بإنشاء قناة خاصة بي على يوتيوب، وصورت فيديوهات جذبت أعداداً كبيرة من المتابعين والحمد لله ونالت نسبة مشاهدة بشكل ممتاز.
التقليد الفكري
ليالي ناصر محمد (14 عاماً) تقول: قلدت بعض مشاهير السوشيال ميديا في بعض المظاهر وأسلوب حياتهم وطريق وضع الميكاج وارتداء اللباس وغيرها، لكن مع الأيام وجدت نفسي أٌقوم بتقليدهم فكرياً مما أثر كثيراً في ثقتي بنفسي، وبدأت الانسحاب من هذا العالم بشكل تدريجي، حتى انقطعت عنه تماماً.
أما علا ناصر (13 عاماً) فتبدع في تقليد المشاهير على برنامج تيك بوك وتقول: منذ حوالي أكثر من 3سنوات وأنا أقلد مشاهير الفن والغناء، وأصور بعض المعلى تطبيق التيك بوك أقلد فيها بعض الفنانين في المسلسلات والأفلام. حتى أصبحت لدي القدرة على تقليد أي مشهد بمجرد مشاهدتي الأولي له في المسلسلات الكرتونية والدرامية، وحصلت على نسبة مشاهدة عالية، ما شجعني على ممارسة هذه الهواية وتنميتها في المستقبل.
زيد عمر محمد(9 سنوات) يقول: كنت أقضي ساعات طويلة في متابعة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهير الألعاب إلكترونية، وأصبحت أقلدهم لكن بعد فترة بدأ يصدر عني سلوكيات خاطئة في البيت، وتحولت لشبه منعزل على العائلة، وأقوم بوصف نفسي بشخصية سبيدار مان الخارقة.
فاطمة حسين ربة منزل تقول: طفلي يبلغ من العمر 7 أعوام، ومن خلال متابعته لمشاهير الألعاب الإلكترونية أصبح يقلدهم في البيت، وتصدر عنه تصرفات تؤذي الآخرين، وبات سلوكه يتميز بالعنف، وتصدر عنه عبارات تقلل من شأن الآخرين، كما أثرت في تحصيله الدراسي فعزف عن متابعة واجباته وأصبح شارد الذهن أثناء الحصص الدراسية. تضيف أنها قامت بعد ذلك وعلى الفوز بمنعه من متابعة المواقع والألعاب الإلكترونية وعملت على توعيته من المخاطر التي قد تتولد مع الاستمرار في تقليد مشاهير تلك الألعاب، خاصة أنه صغير في السن.
جواد علي أحمد(9 سنوات) يتابع مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، ويصور فيديوهات على برنامج سناب شات توضح تقليده لبعض المشاهير، لكن بعد فترة بدأ يتقمص هذه الشخصيات ويقلد حركاتهم وطريقة كلامهم، ويتخذ من تلك الشخصيات مثلاً أعلى له.
توتر وتشتت
د.عبدالله محمد محمود، أستاذ علم نفس، وعضو هيئة التدريس في كلية الشرطة في أبوظبي يقول: تنتشر ظاهرة تقليد المشاهير والنجوم بين كل شرائح المجتمع والسبب في ذلك الفراغ الفكري والثقافي، مشيراً إلى أن تأثير هذا التقليد في الأسرة والمجتمع يتمثل في حدوث حالة التوتر القيمي لدى المقلد نتيجة تشتته بين القيم التي اكتسبها ونشأ عليها فترة طويلة وبين التقدم التكنولوجي والمعرفي التي شمل مناحي الحياة، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه تشويش وتغير في قناعات الشخص وثوابته، وما يلعبه ذلك من تغير في ملامح المجتمع المتمثلة في عاداته وتقاليده لاسيما الجيدة منها.
أما عن إيجابيات التقليد فيوضح: تقليد الشخصيات بشكل عام وخصوصاً المشاهير والنجوم ينتج عنه أمور قد تكون إيجابية منها: تحقيق التقدم والتطور بدرجة كبيرة في العديد من المجالات، والتقدم التقني، وزيادة النشاط التجاري، وكذلك الانفتاح والتعرف الى العالم الخارجي، وتجربة الأمور الجديدة وغير المعروفة في مجتمعنا.
د. حسين محادين أخصائي علم الاجتماع يقول: ظهر ما يُعرف بالاستهلاك المظهري المدعم فكراً وإعلاماً من الفنانين، الطباخين، الرياضيين، الممثلين، والمطربين وحتى الأدباء والرسامين، والمطربين، ومقدمي البرامج المشهورة من الجنسين..ولعل الجامع المشترك بينهم السعي للثراء وبغض النظر عن شرعية الوسيلة. وبالتالي تغدو مثل هذه الشخصيات المسوقة عبر وسائل الإعلام البصري مغرية للأجيال الصاعدة وللمغرمين بمحاكاة هذه النماذج وتقليدهم. وبعض المقلدين يصابون بإدمان بصري وسلوكي لنجومهم المفضلين ضمن السعي لمحاكاة شهرة النجوم على مسرح الحياة أو عبر الفضاء الافتراضي الذي نجح في بيعهم كمقلدين وهم الصورة والنجومية المشتهاة.
ويؤكد محادين أن حب تقليد المشاهير والنجوم قد يمثل خلخلة لأنماط التنشئة الاجتماعية السوية في الأسرة العربية التي تعلم الأبناء ضرورة التدرج في السير نحو الشهرة.
ويشير إلى أن الفرد يسعى لإحداث نوع من الاقتران بين سمات شخصيته وسمات النجوم المشهورين في الأدب أو الفن والرياضة. لأنه بذلك يسعى إلى الإيحاء للآخرين بأنه متنور ومتحرر ومثقف ومبادر. وأوضح محادين أن المقلدين يمتلكون مهارات الفن وآليات الحديث والتأثير المتنامي في جمهور المتلقين وهذه إيجابية لافتة يمكن أن تساعدنا على تفسير الفروق الجوهرية بين من يسعى لأن يكون مقلداً كنسخة عن النجم، وبين واعد ثانِ استطاع أن يبلور هويته الفنية أو الرياضية بتدرج وثقة محققاً شرط الاستمرارية والارتقاء في كل أداء.