لا أجد آفة يمكن أن تدمر مجتمعا في لمح البصر كآفة المخدرات بجميع أنواعها، والتي يأتي على رأسها مادة الشبو أو الكريستال الأبيض، كما يقال.فهي آفة الآفات، وغاية ما يصبو إليه إبليس الرجيم في حربه للإنسان وسعيه للقضاء عليه.ولا سيما أن نتائجها تنعكس مباشرة وبشكل موحش على بنية الأسرة والمجتمع، وما نراه من قتل وحرق وذبح لأقرب الناس دليل على خطورة هذه الماسدة بجملتها، ولعمري فهذا انتقال خطير في عالم جريمة المخدرات، ويجب أن ندق جرس وناقوس وبوق الخطر على مستوى العالم، ويتحد الجميع لإعلان حربهم الكبرى على آفة المخدرات جملة وتفصيلا، وإلا فلن يبقى أحد مستقبلا بمأمن، وسيخشى الأب من ابنه والأخ من أخيه والقريب من قريبه والصديق من صديقه، وتلك هي الكارثة التي يسعى إلى بلوغها الشيطان الرجيم.لقد مثلت المخدرات وسيلة للاستقواء والسيطرة الاقتصادية والسياسية في زمن من الأزمان، وكانت بريطانيا رائدة هذا السلوك المتوحش، بفرضها مادة الأفيون المخدر على الشعب الصيني، حتى تمتص قدراته بجشع، وحين أراد الإمبراطور الصيني حماية شعبه بمنعهم من تعاطي مادة الأفيون، عمدت بريطانيا إلى إعلان الحرب عليه فيما عرف تاريخيا بحرب الأفيون.ذلك كان جزءا من سلوك الاحتلال الغربي الشيطاني للشعوب، الذي وإن انتهى عسكريا، لكنه ظل اقتصاديا عبر شركات باتت تحكم العالم، لكونها هي من ترشح وتنتخب الرؤساء حسب التزامهم لها وولائهم لمصالحها، ولذلك فلا عجب أن ترى وزيرا ومسؤولا كبيرا يعمل في إحدى تلك الشركات من بعد انتهاء مدة عمله الرسمي.وتأتي شركات صناعة الأسلحة والأدوية في مقدمة هذه المافيا المنظمة ظاهريا، كما تأتي عصابات الاتجار بالبشر والمخدرات أول هذه المافيا في العوالم الخفية، وغالبا ما تدير هذا النشاط البشع كيانات شيطانية في سلوكها وتوجهها، بهدف تحقيق ما تصبو إليه من تدمير لكل قيمة سوية وخلق قويم. إنهم جنود إبليس الرجيم، كما أن الأسوياء والصالحين في كل العالم ومن مختلف الديانات والشرائع هم جنود الله الرحمن الرحيم.أعود إلى موضوع المخدرات جملة والشبو خاصة، لأشير إلى أهمية أن يعلن العالم السوي حربه الكونية عليها، كحربه الكونية على الإرهاب، مع يقيني أن خطورة انتشار الشبو أشد وأنكى.وبالتالي، فالعالم يحتاج إلى أن تتكاتف جهوده في سبيل محاربة تجار المخدرات والاتجار بالبشر، ولن يتأتى ذلك بصورة فاعلة والأنظمة باقية على ما هي عليه، ولا أقصد العقوبات الواجبة إزاء تجار المخدرات، وإنما الأنظمة المتعلقة بإدارات مكافحة المخدرات في العالم، حيث من الواجب انتقاء العاملين فيها بدقة بحيث يكونون ذوي كفاءة خلقية، وينطلقون من مسؤولية أخلاقية، فلا تضعف نفوسهم إزاء المغريات المادية التي يمكن أن تعرض عليهم من مافيا المخدرات والاتجار بالبشر، ثم يجب أن يعطوا مرتبات مجزية ومكافآت كبيرة لتسد ثلمة يمكن أن يدخل منها الشيطان وأتباعه، فما يكسر الإنسان ـ أيا كان ـ سوى الحاجة المادية، خاصة إذا كانت متعلقة ببيته وأسرته.ولنتذكر أن هؤلاء الجنود الأشاوس يقفون على ثغرة يباع الكيلو فيها بمئات الألوف من العملة الصعبة.هذان الأمران إذا تم توخيهما من الجهات المسؤولة عن تعيين رجال مكافحة المخدرات، بحيث يتجاوز المعين اختبار القيم والسلوك الأخلاقي، وفق معايير ومرتكزات يضعها مختصون، ثم يحظى بامتيازات ومكافآت مجزية تسد حاجته وتزيد؛ في حال إتمام ذلك يمكن للعالم أن ينجح في التصدي لهذه المافيا على مختلف الأصعدة المحلية والعالمية.في جانب آخر، أرجو من الجهات القضائية أن تنظر في حال المقبوض عليهم من الشباب صغير السن، بتهمة التعاطي أو تهمة الاتجار في كميات بسيطة، فلا تقوم بزجهم في السجون وفقا لما لديهم من مادة عقابية، فالسجن ليس حلا بل هو تكريس لسلوك وقع فيه أولئك بالخطأ ولظروف خاصة.ولذلك، فالعقوبات البديلة بالرضوخ للعلاج أولا والتقويم النفسي ثانيا، والحكم بالعمل في قطاعات صحية مثلا أولى من السجن بقرب من أهلكهم من قبل. وإن لزم إجراء عقوبة السجن، فأرجو من الإدارة العامة للسجون تخصيص إيواء خاص بأولئك، مع تكثيف العلاج البدني والنفسي لهم، وتوعيتهم ببرامج مختلفة ليخرجوا صالحين متجاوزين ما وقعوا فيه ضحية لظروف خاصة.إنه رجاء أضعه بعين النظر بمسؤولية أمام وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، وإدارة مكافحة المخدرات والإدارة العامة للسجون وغيرها من الجهات المسؤولة. فالوطن أمانة وأبناؤنا مسؤولية.