حذر مختصون من سلوكيات غريبة وغير سوية يرتكبها بعض مشاهير التواصل الاجتماعي، بحثا عن الشهرة والحصول على المزيد من المتابعين على حساباتهم، ما يتسبب بتأثيرات اجتماعية سلبية في الأفراد، ومنها نشر شائعات ومعلومات مضللة، وتصوير ذويهم من آباء مرضى داخل مستشفيات، وأمهات في المنازل، واستغلال الأطفال في مقاطع فيديو، من أجل الحصول على الشهرة بالوصول لأكبر عدد من الناس.
وأكدوا في ندوة اليوم، ضرورة الحد من الشائعات والمعلومات مجهولة المصدر، خصوصا التي تمس هيبة الدولة، وكذا من مخاطر الجريمة الإلكترونية، وتأثيراتها على أفراد المجتمع وأمنه واستقراره، مشددين على أن مسؤولية محاربة هذه السلوكيات مشتركة بين مؤسسات الدولة والأسرة والمجتمع المدني، مؤكدين أهمية زيادة الوعي الرقمي للحد من المخاطر التكنولوجية الحديثة.
حملات توعوية بالضوابط القانونيةأكدت النيابة العامة ووزارة التجارة قيامهما بدوريهما في حماية المعلن والمستفيد، والإجراءات النظامية المتخذة في جرائم الغش التجاري، والمخالفات المرتبطة بالإعلانات التجارية، وآلية تقديم البلاغ من قبل المتضرر. ونفذت النيابة عددا من الملتقيات التي استهدفت تفعيل الجانب التوعوي وإلقاء الضوء على الحدود والضوابط القانونية لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي استضافت خلالها عددا من الإعلاميين والمؤثرين في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. واستعرضت الاحتياطات التي يجب اتخاذها عند استخدام وسائل التواصل وتبيان الأخطاء التي يقع فيها المستخدمون، بحسن نية أو عن سابق قصد، تماشيا مع الشفافية التي دشنتها رؤية 2030.المرئي والمسموع: 3 ملايين ريال غرامات على مخالفين
وأوضحت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع أنها أصدرت عقوبات يصل مجموعها إلى أكثر من 3 ملايين ريال بحق عدد من مشاهير التواصل الاجتماعي وأشخاص آخرين لمخالفتهم الإجراءات الاحترازية ونظام الإعلام المرئي والمسموع ولائحته التنفيذية. وكانت الهيئة ضبطت 14 من مشاهير التواصل الاجتماعي بين مواطنين ومقيمين، خالفوا نظام الإعلام المرئي والمسموع ولائحته التنفيذية، إضافة إلى ضبط مجموعة تجارية، وصدر بحق مالكها غرامة بلغت قيمتها 400 ألف ريال. كما صدرت بحق 12 شخصا، مخالفات تتراوح بين 50 و300 ألف ريال، وهم 7 من المقيمين و5 من المواطنين، وتضمنت المخالفات المرصودة، دعوة للتصوير والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم التصوير والنشر بشكل فعلي في وسائل التواصل الاجتماعي.
رصد حالات الغش
وقال الخبير الأمني اللواء د. بركة حوشان، إن ما يقوم به ما يعرفون بمشاهير التواصل الاجتماعي يدخل ضمن الإعلان، وعلى الجهات المعنية مثل وزارة التجارة أن تتولى ضبط ذلك المجال خاصة في حال رصد حالات غش، مضيفا أنه من حق كل من تضرر من تلك الإعلانات أن يطالب بحقه من خلال الجهات المختصة، كونها مسؤولة عن حمايتهم من تلك الإعلانات.
وضع معايير تتوافق مع العادات والتقاليد
وأضاف المحامي أحمد العشوان أن أنظمة التجارة الإلكترونية والاتصالات والجرائم المعلوماتية ولائحة الذوق العام، تسبقها القواعد العامة للشريعة الاسلامية خصوصا ما يتعلق بباب التعزيز، تنص على معاقبة أي معلن يتجاوز لوائحها، مثل عقاب المشاهير الذين يكسرون الإجراءات الاحترازية في فترة جائحة كورونا. لافتا إلى أن الأنظمة يجب عليها أن تنظم عمل مواقع التواصل وتراقب الإعلانات عبر وضع معايير ومواصفات محددة لكافة الإعلانات لا تخرج عن النظام العام وكذلك الذوق العام وعادات وتقاليد الشعب السعودي، ووضع ميثاق شرف لا يتعداه أي من هؤلاء المشاهير وإيقاف من يتلاعب بمشاعر الناس وينتهك النظام وعادات المجتمع أو يحاول الإيهام والتدليس والغش في عرض أي إعلان.
وأوضح أن بعض الإعلانات تنتج عنها أضرار معنوية لاحتواء بعضها على ألفاظ وعبارات وسلوكيات غير لائقة فضلا عن الضرر المادي من الإعلانات التي تسوق لمنتجات غير جيدة أو مضللة، لذا يجب مقاضاة المتجاوزين في حال ثبوت الضرر.
تغليظ العقوبة وعدم اقتصارها ماليا
طالب الإعلامي عادل الثبيتي بتغليظ العقوبة على المشاهير المعلنين في حال مخالفتهم الأنظمة حتى تكون رادعة مع مراعاة ألا تقتصر على العقوبات المالية. ولفت إلى أن قلة من المشاهير يقدمون محتوى رائعا ومفيدا للمجتمع وفيه توعية ومعلومة صحيحة وهؤلاء يجب دعمهم، أما الغالبية العظمى منهم فيقدمون محتوى رديئا وسلوكيات مخالفة للذوق العام، وهؤلاء يجب التصدي لهم بكل حزم وعدم الاستهانة بما يقدمون للمجتمع، لأنها مع الوقت قد تتطور وتنسف كل مفاهيم التربية الصالحة، وقد يستخدمهم أعداء الوطن لتمرير أجندات خبيثة ومشروعات هدامة قد تصل إلى تفتيت اللحمة الوطنية ونشر ثقافة الكراهية وتأليب الرأي العام، لذلك لا بد من عقوبات شديدة تردعهم، وأنظمة واضحة تحكمهم ورقابة فاعلة ترصدهم.
وأضاف أنه تقع على وزارة التجارة مسؤولية كبيرة في ضبط سوق الدعاية والإعلان الذي تعرض لغزو المشاهير وتعزيز حوكمته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم ترك المشاهير يعبثون به، وألا يمارسوا أي أنشطة إعلانية إلا بموجب ترخيص رسمي يضمن الالتزام بالضوابط الإلزامية لإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن الغالبية يتأثرون بأذواق المشاهير أكثر من أذواقهم الشخصية، وعندما يروجون لأي منتج مهما كانت رداءته فإنه يلقى إقبالا شديدا، وكثير من المستهلكين الذين انجرفوا خلف الدعايات قد لا يدركون أنهم وقعوا ضحية دعاية مضللة لا تحكمها أخلاقيات مهنة ولا أنظمة دولة، مبينا أن المطاعم والمقاهي وأدوات التجميل والملابس، من أكثر الأنشطة اعتمادا على إعلانات المشاهير ويدفعون لهم مبالغ قد تفوق المبالغ التي تدفع لشركات الدعاية والإعلان المتخصصة.
ضوابط تحفظ حقوق المستهلك
أوضح الإعلامي عبدالرحمن القرني أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر أكثر المواقع الإلكترونية انتشارا وشعبية واستخداما في جميع أنحاء العالم ومع اتساع استخدامها من مختلف الشرائح أصبح التسويق عبرها جزءا أساسيا من إستراتيجيات الشركات للتسويق عن منتجاتهم لتظهر بعد ذلك ظاهرة إعلانات المشاهير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. لافتا إلى أن وزارة التجارة تولي أهمية كبرى لتعزيز موثوقية التجارة الإلكترونية والتي تضمن ضوابط منظمة لحماية وحفظ حقوق المستهلك.
وأشار إلى أنه لتلك الإعلانات سلبيات تضرر بها أفراد المجتمع من خلال الترويج لبضائع بشكل مبالغ فيه، أو إخفاء العيوب والسلبيات للمنتج، وتحسين صورة منتجات وتقديم خدمات رديئة، معربا عن اعتقاده بأن درجة الوعي اليوم تزداد تجاه هذه الظاهرة، والمستقبل لمن يحافظ على ثقة الناس به، ويتمسك بسمعته، ويبدع في مجاله ملتزما بالأمانة والصدق، مطالبا بأهمية وجود تصريح من الجهات الرقابية كهيئة الغذاء والدواء أو الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة أو غير ذلك من الجهات الرقابية على أي منتج للسماح لصاحب المنتج بالإعلان ومن ثم تقديمه للمعلن ليثبت جودة المنتج المقدم للمجتمع، وذلك حرصا على توفير محتوى إعلاني منظم ومسؤول يحمي فئات المجتمع من أي تأثيرات سلبية محتملة.
سلب الهوية والسيطرة على العقول
بينت مختصة شؤون الأسرة منى آل مهنا، أن صفحات المشاهير أو المدونين سلاح ذو حدين، خصوصا وأن طبيعة البشر تميل إجمالا إلى الاقتداء بالشخصيات المعروفة كنوع من التحفيز والتشجيع. ومن هنا حجم الخطورة في مضمون الرسائل التي يمكن نشرها والترويج لها. محذرة من مشاكل الاضطراب السلوكي التي تحدثها بعض المنشورات، ويكون أساسها شائعة أو ظاهرة غريبة لا تمت بصلة إلى المجتمعات المتمسكة بالقيم والعادات والتقاليد. وقالت إن أسوأ ما في متابعة تلك الصفحات أنهم يعمدون أحيانا إلى عرض مقاطع غير أخلاقية أو مخيفة أو جنونية، متناسين أن جمهورهم قد يشمل فئة المراهقين الذين يسهل التلاعب في عقولهم. وخاصة أن تكوينهم الذهني غير المكتمل بعد غير قادر على التمييز بين ما هو منطقي وصحي وبين العكس، كما أنهم في الغالب يميلون إلى تبني الأفكار الغريبة التي تدغدغ مخيلتهم من باب التميز ولفت الأنظار.
لافتة إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في التفاعل الكبير وبالملايين على صفحات التواصل الاجتماعي والذي من شأنه زيادة التأثير على هذه الفئة العمرية، باعتبار أن الأمر مباح ومنتشر والجميع يرحبون به ويضعون له التعليقات، وهنا يحدث خلل في التوازن النفسي للمتلقي من مختلف الأعمار، لأنه يصارع داخليا بين ما تراه عيناه ويعجبه، وقد يكون فاضحا أخلاقيا ومدمرا، وبين ما تسمعه أذناه من تحذيرات وانتقادات لهذا المنشور أو ذاك. ومن الضروري أن يتنبه المجتمع لهذا النوع من السلوكيات الخطيرة وعدم الاستهانة بها، لأنها مع الوقت قد تنسف كل مفاهيم التربية الصالحة، إذ بات من السهل جدا تمرير أي نهج ونشره بين الناس. وعنده يكون من الصعب العودة إلى الوراء وتصليح ما فسد، وكأن شيئا لم يكن، وعلى المدارس والأهل مسؤولية كبيرة في نشر التوعية بين الطلبة، ووضع خطة لتمكينهم على حسن المقارنة بين المنشور الذي يحتذى به والمنشور الذي يحظر التداول به.
وأكدت أن كثرة مشاهدة مشاهير السوشيال ميديا دون رقابة لمحتوياتهم تسلب هوية الطفل وتجعله أداة طيعة لأفعالهم، ومن هنا يأتي دور ولي الأمر للأطفال الذين يتابعون مشاهير التواصل الاجتماعي ومنعهم من مشاهدة المحتويات غير الهادفة، مع ضرورة ألا يتم المنع عن طريق العنف والقمع لأن الطفل أو المراهق قد يكون متعلقا بذلك المشهور ولهذا لا بد من اتخاذ اللين في التوجيه والرقابة، وإجراء نقاش هادئ معه حول المحتوى الذي يقدمه المشهور، والفائدة المرجوة من تلك المشاهدة في حياته والمستقبل الذي يريده.
وقالت: للوقاية من الآثار السلبية لمتابعة مشاهير التواصل الاجتماعي يجب زرع الاعتماد والثقة في النفس لدى الطفل، وأن يكون مستقلا في أفكاره دون الخضوع للتأثير الخارجي، ويكون مستقلا في حياته وليس تابعا ومقلدا للآخرين.
الترويج لمقدمي المحتوى الهادف
ودعت الإعلامية هبة العصيمي، المشاهير إلى مراعاة أعمار المشاهدين والمتابعين لهم وتقدير ذلك من خلال ما يبثون، إذ يسهل مشاهدة ما يقدمونه بمجرد الدخول على الصفحات الخاصة بهم. مضيفة: ولكن للأسف اليوم بعض المشاهير يعرضون حياتهم اليومية في المنزل دون مراعاة للضوابط، محاولين إقناع المتابعين بتلك السلوكيات التي يمارسونها في حياتهم الخاصة، بحيث يشاهدها الجميع حتى لو رفضتها شريحة كبيرة من المجتمع. إلا أنهم يفرضون علينا ثقافة غريبة على المجتمعات العربية، ويجب التحذير من أولئك الذين ينشرون العادات السلبية، وفي المقابل زيادة الترويج للشخصيات القدوة التي تتحدث عن الأخلاق الفاضلة وتربية الأجيال.
وقالت إن بعض المشاهير يحرصون على تقديم محتوى فارغ مثل حركات ورقصات غير مسؤولة وتعتبر دخيلة على الثقافة العربية، وهؤلاء ينقصهم الوعي، خاصة أن همهم الوحيد هو زيادة عدد المتابعين والاستفادة من عوائد الإعلانات دون النظر إلى جوهر المواضيع التي يتناولونها.
العالم الافتراضي يحد من الإبداع
ولفتت مختصة التربية فاطمة السالمي، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد صورة مطابقة لما يجرى في الحياة، لذا يجب أن تركز على الإيجابيات، وأن يكون المشاهير قدوة لغيرهم عبر إبراز القيم الجمالية ونبذ الظواهر التي تؤثر سلبيا في الشباب والأطفال تحديدا، وأن يكون لديهم حس وطني واجتماعي. مضيفة أن المشاهير ليسوا جميعهم سيئين فهناك من يقدم رسائل وصورا إنسانية، أو توعية بالكثير من المبادرات الخيرية أو نقل معالم المملكة بصورة جمالية، ولهم متابعون من جميع أقطار العالم، وهؤلاء يمكن القول إنهم من رواد السوشيال ميديا، بينما هناك أيضا من يقدم سلوكا مخالفا لقيم المجتمع، ويشكل إخلالا بالآداب العامة، ولا بد من التحلي بروح المسؤولية تجاه المواد الإعلامية والفيديوهات التي تنشر عبر حساباتهم.
وأكدت أن المشاهير وما يقدمونه سلاح ذو حدين، بعد انتشارهم في الفترة الأخيرة، وهناك فئة من أفراد المجتمع يتخذونهم قدوة لهم وخاصة فئة الأطفال الذين هم ضحايا للغزو الفكري والثقافي وتغيير معتقداتهم. لافتة إلى أن العالم الافتراضي أصبح مؤثرا في سلوك الأطفال بشكل كبير حيث فقد العديد منهم الحوار الأسري، والمحيط العائلي وأيضا انعزالهم عن الآخرين ما يؤثر في بناء شخصياتهم وتقمص شخصيات أكبر من مستوى فكرهم، من الناحية الجسدية فهم يتأثرون صحيا بسبب الجلوس لساعات طويلة ما يؤدي إلى عدم قدرتهم على الإبداع.