“المرءُ توَّاقٌ إلىٰ ما لم يَنل”
أُؤمن أنه لا يوجد إنسان كامل وأنَّ لكلٍّ منّا في الحياة نقاط قوة ونقاط ضعف، وكثيراً ما كان هذا اليقين داعماً لي في حياتي، لأننا بطبيعةِ الأحوال بشرٌ تؤرِّقُنا عقدة النَّقص، وأرواحنا تتطلع للكمال دائماً، ولذلك فإننا أحياناً نَعمدُ للمقارنةِ بيننا وبين أولئك الأشخاص النَّاجحين، أو رُبَّما الخارقين للعادة، الذين حققَّوا ما لم نصل نحن بعد إلى تحقيقه، الذين تفوقوا في مجالاتهم في حين لم نصل نحن إلى جُزءٍ ممّا وصلوا إليه، والذين رُزِقوا ما لم نُرزق نحن به، والذين لديهم الكثير من العلاقات والكثير من المحبين والأصدقاء من حولهم.
مقارنات متعبة حقاً، إذا ما جلسنا لنعددها، سيبدو أن الجميع سعيدٌ وناجح ومحبوب، ومن الممكن أن تتوقف حياة أحدهم بسبب اليأسِ والإحباط الذي سيُرسلُه عقلُه الباطن إليه، يقول علماءُ النفس: إِنَّ مقارنة الفرد لذاته مع الآخرين تُؤدي إلى انخفاض تقديره الذاتي وبالتالي نظرة تشاؤمية للمستقبل. حسناً، أنا أيضاً كذلك، هناك الملايين من البشر ممَّن هم أفضلُ مني وأكثرُ نجاحاً وأكثرُ فهماً وأكثر حظاً وذكاءً، ما المشكلة في ذلك، الكلُّ يؤمن أنَّ هناك مَن هو أفضل منه، مشكلتنا أحياناً هي مجتمعنا أو الأشخاص الأقرب إلينا من الآخرين، يُهمُّنا ذاك الذي نعرف ومع ذلك هو أفضل منا، ربما يكون الأمر مضحكاً، لكن نسبة كبيرة من الناس يفكرون بهذه الطريقة، وحتى أولئك الذين لا يفكرون كذلك، يستغرقون جهداً وثباتاً ليس بالقليل من أجل أن يتجنَّبوا هذا التفكير المتعب، فليس الأمُر فطرةً.
على أيةِّ حال ستتعب كثيراً إذا ما أطَلتَ الجلوسَ على نافذة اليأس تتأمَّل قوى الآخرين وتُقارنها بضعفك، أنتُ تعلم أنَّ لكلِّ إنسانٍ نقاط قوةٍ ونقاط ضعفٍ مختلفة ولكنّك تنسى ذلك تماماً عندما تُقارن نفسَك بغيرك دون أن يكون هناك فائدة من ذلك، ودون أن تُحرِّك فيك تلك المقارنة دافعاً إيجابياً لتطوير نفسك، كما أنَّه من الظُّلم بحقِّ نفسك أن تقارن قوى الآخرين بنقاِط ضعفك، وتنسى أنَّك ربما أفضلُ منهم بكثير في أمور أخرى، تذكَّر نقاط قوتك دائماً، إنجازاتك، ما حقَّقته خلال السنوات الأخيرة، تذكَّر ما تملكه أنت ولا يملكه الآخرون.
من المهم جداً أن نُدرك أنَّ النجاح في الحياة أمرٌ نسبي، وكذلك السعادة، هذا الإنسان ناجحٌ في بناءِ علاقاتٍ اجتماعية وهو سعيدٌ بذلك، وآخر لا يملك أي علاقات لكنه ناجحٌ في تنشئَة أسرة متفاهمة ومتحابة |
إننا كما نظلم أنفسنا بمقارنة ذواتنا مع الآخرين، فإننا أيضاً نظلم الآخرين حين نقارن فيما بينهم دون النظر إلى الفوارق والاختلافات الشاسعة بينهم، على سبيل المثال نظنُّ أنَّ من يملك مئة ألف أفضلُ حالًا وأكثرُ ذكاءً ممن يَملكُ عشرةَ آلاف مثلاً، دون أن نُفكر فيما لو كان الأول قد حصلَ على المال بطرقٍ شرعيةٍ أو غير ذلك أو حتى إن كان يَملكُها حقاً أو مُدَاناً بها، في حين ربما يكون الثاني قد حصل عليها بتعبه وعرق جبينه واجتهاده في عمله، وغيرها من الحالات التي نَغفَلُ فيها عن البحثِ عن الفارق، والظروف والبيئة المحيطة بمن نقارن بينهم والتي أدَّت بهم إلى مستوى مُعين من النجاح والتفوق.
من المهم جداً أن نُدرك أنَّ النجاح في الحياة أمرٌ نسبي، وكذلك السعادة، هذا الإنسان ناجحٌ في بناءِ علاقاتٍ اجتماعية وهو سعيدٌ بذلك، وآخر لا يملك أي علاقات لكنه ناجحٌ في تنشئَة أسرة متفاهمة ومتحابة، هذا لا يملك سِعةً من المال لكنه سعيدٌ وراضٍ بالقدر الذي وهبه الله إيَّاه، لأنه على يقينٍ بأن الله يُعطي ويمنع، وأنَّه حتماً أعطاه ما يفتقده غيره من الأغنياء، هناك من أكملَ مرحلة دراسته الثانوية بصعوبة بالغة وبظروف قاسية أجبرته أن يتوقف بعدها، وهناك من رزقه الله فرصة المتابعة لكنه تكاسل وتهاون في ذلك فلم تكن هذه الفرصة سببا للسعادة بالنسبة له، فالسعادة نسبية أي أن ما يُسعدنا ليس بالضرورة هو ما يُسعد غيرنا، وما يسعد الآخرين وما يحفلون به ليس بالضرورة أن يكون خيراً لنا وسبباً لسعادتنا.
تقول إحداهن: “أُعاني من مشكلة أنّي أقارنُ نفسي بغيري، أنا طالبة بكلوريا علمي، أغلب صديقاتي أنهين المنهاج بينما أنا لم أنهيه بعد، فعندما أشرع في الدراسة وأفكر بهذا يُسيطر على عقلي أنني لن أستطيع تدارك النقص وسيفوتني الوقت ولن أنجح”. الحياة ليست سباقا مع البشر، إنها سباق مع الذاتِ فحسب، إيماننا بقدراتنا وإدراكنا لنقاط قوتنا وضعفنا وإتقان كيفية التعامل معها وحسنُ استثمارها هو مقياسُ نجاحنا، فنقاط القوة ندعمها، أي إذا كنتُ موهوبة في مجالٍ ما فيجب أن أُركِّز عليه، أنميه وأجعله سلاحي، وإذا كنت أعلم بنقصٍ أو عيبٍ ما في نفسي، فإن كان باستطاعتي تغييره، أعزُم وأُقررُ التخلصَ منه ولو تدريجياً، أما إن كان نقصاً لا نَملك تغييره فليسَ لنا إلا أن نقتنع في داخلنا بأننا لسنا مسؤولين عن ذلك، وأن نتقبل أنفسنا كما هي دون أن نُقلل من شأنها ودون أن نسمح لأحدٍ بذلك أيضاً، فلا تترك فرصة للآخرين ليقارنوكَ بغيرك في شيءٍ لا تملك أنت تغييره.
وعندما تغويك نفسك بالسؤال “لماذا هو كذلك وأنا لا” تذكَّر ثلاثة أمور:
– أن الله ربما ابتلاه بما لم يبتليك فرزقه ما لم يرزقك.
– أو أن هذا الإنسان ليس سعيداً ولا هنيئاً بما تحسده أنت عليه.
– وأخيراً فكِّر بما بذله من جهدٍ وتعبٍ ووقتٍ ليصل إلى ما وصل إليه، فاستحقه بذلك أكثر منك، فهو إنسان له تجارب ونظرة للحياة تختلف عن تجاربك ومنظورك للحياة، وتذكر قوله تعالى: “وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۚ” فلكلٍّ نصيبٌ مما اجتهد ومما اكتسب.