في عصر الفيديو المباشر الحي والمسجل سوشيال ميديا، تكتوك ويوتيوب وفيسبوك لايف وسناب شات، ما هو الميزان الأخلاقي للكسب والتكسب ومن فضاء وسائل التواصل الاجتماعي (تحصيل المشاهدات والمتابعين والمشاركين بهدف الوصول لرقم معين عندها تستحق مبالغ معينة أو من خلال الإعلانات حين ظهورها خلال عرض المحتوى أو كلا الأمرين معاً)؟ ما هو المعيار الذي يضبط أخلاقية ولا أخلاقية الفعل والقول؟ وهل الأخلاق حاضرة كمرجعية للحكم على السلوك؟ أم أن القيمة القائمة هي الكسب والكسب فقط ؟ معلوم لجميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تقيدهم بشروط وقواعد استخدام بل وأحياناً عقوبة سوء استخدام أو مخالفة شرط أو بند ولكن ماذا عن العرف العام لما هو أخلاقي وغير أخلاقي لما هو لائق وغير لائق لما هو مخجل وغير مخجل لما هو خادش وأحياناً مسيء لعرف وقيم عامة متفق عليها من غير اتفاق ما هو معيب وما هو غير معيب.
سذاجة المحتويات وسطحيتها
ولنتناول أمثلة للتدليل على الفكرة من خضم ذلك الفضاء صاحب فيديو يسخر من سذاجة والده ويتندر على بساطة عقله بحيث يستثار بسرعة من تلاعب ابنه به واستثارة غضبه بإيهامه بالموقف ولو افترضنا أن هنالك اتفاق بين الأب والابن لتقديم الموقف وإنجاحه كما يريدون فإن الموقف يندرج تحت بند التندر والسخرية من عقول الآباء البسيطة وقناعاتهم وقيمهم التي يوحي الابن أنها مضحكة وبالية ومن يعتقد بها من أمثال أبيه هم موضع للتندر والسخرية والضحك ونرى رمزية الفكرة ضحك الابن على مدار زمن الفيديو من أبيه وسذاجته قناعة ومقاماً وهنا إساءة مزدوجة لقيمتين الأب والعرف معاً وإن تبادر للذهن خاطر أن للابن الحق في تقديم ما يشاء ما لم يخالف قواعد الاستخدام أقول وماذا عن العرف العام والقيم المتعارف عليها في أغلب أعم مجتمعنا العربي توقير الأب وعدم استخدامه كمادة للتندر والتفكه واستخدام قناعته ونشأته على قيم مجتمعية يعتقد الابن أنها مجال للضحك في هذا العصر التأدب مع الأب واحترام مقامه وعدم تحويله كأبله مجذوب يجتمع الساهرون عليه لتجزية وقت سهرهم بالضحك والإضحاك لا شك أنه له الحق في تقديم ما يشاء وللمجتمع الحق في عندم الإساءة له بالإساءة لعرفه وقيمه ، ومن ضفة أخرى بعيدة يقدم آخر للميوميات حياة أسرته الباذخة فاحشة الثراء وتضمينها مواقف وتهريج مبتذل صبياني.
هل المحتويات المعروضة تتنناسب مع مجتمعاتنا؟
وهنا نطرح التساؤل مرة أخرى ألا يملك هذا المصور الحق في تقديم ما يشاء وتصوير أسرته والتهريج المسف والممجوج إن شئنا أقول أجل ولكن ماذا عن جمهور المشاهدين بمعنى هذا الفيديو يقدم باللغة العربية وبلهجة بلاد شامية أي توجهه لجمهور عربي من بلاد الشام أكثر وبدرجة أقل للبلاد العربية الأخرى لاختلاف اللهجة وأحياناً صعوبة فهمها فهي عامية وليست فصحى وهو يقدم نمط حياة ويوميات باذخة ونقل مباشر لحياة أثرياء وما يشغلون به أوقاتهم وتصوير منازلهم واستهلاكهم وأسفارهم والنعيم الذي يرفلون به والسؤال هنا هل يعيش مجتمعنا العربي الموجه له الفيديو في أغلبه ولا أقصد المغتربين الذي ليسوا جميعهم من مستوى ثراء المصور وإن كان من يقصد من مشاهدين في بثه لهم في أغلبهم في البلاد العربية مشغولون بتحصيل قوت يومهم وتدفئتهم ومن هم في حال أفضل في دول الاغتراب أكثرهم يعيش في حدود الكفاية ولا يستدل بالنسبة القليلة للمترفين في دول الاغتراب والدول العربية فهم ليسوا وهم المقصودين ولن نخوض في جدل فكرة أن الأسرة قيمة وحرم له خصوصيته وستره ولا يصح كشفه كمن يعرض بضاعة على الرصيف للبيع على كل حال فهذا شأنه وحريته فيما يفعل ولكن ماذا عن استفزاز عموم هذا الجمهور وهو الذي يعيش بين الكفاية معيشياً والفقر والعدم أحياناً كثيرة والذي يعاني سوء أحوال معيشية لدرجات حادة تستعصي معها لقمة اليوم وتدفئة اليوم وكساء اليوم وأجرة مواصلات اليوم ومتى كان عرفنا وقيمنا تقول لنا إن كنتم أثرياء فبالغوا في إظهار ثرائكم أمام المعدمين والفقراء وذكروهم بحرمانهم وانثروا فوق جراحهم ملح فحش ثرائكم والأنكى أن يتكسب هذا المصور الباذخ من وراء كل ذلك مالاً يرسل لرصيده فيزيد بذخه بذخاً وبمتابعة جمهموره الفقير في عمومه له وإعجابه بما يبث يقدم له ذلك فهو مشهد مضحك مبكي ومفارقة كيف يتسول الثري من المعدمين الفقراء إعجاباً ومتابعة ليزيد نعماءه نعيماً وكما للجنون فنون فللعصور عجب ومن يعش يرى عجباً كما يقال.