مقالات

نظام الحضور والانصراف للموظفين عقيم وما زال!

ما زال نظام الحضور والانصراف يعمل وفق أساليب قديمة دون تطوير أو أفكار جديدة تذكر، وهو نظام صارم ومقيد للموظف وللأسف استخدمت التقنية بشكل يعزز هذا الجانب، وهذا ينافي أدبيات استخدام التقنية والذكاء الاصطناعي الذي يجب أن يسخر لخدمة الإنسان وراحته وزيادة الرضا الوظيفي والمعيشي لديه، ويسجل الحضور الآن عبر نظام البصمة أو غيره وهي طريقة لإلزام الموظف بالبقاء في المنشأة والحضور والانصراف في وقتين محددين وتقضية ساعات العمل بأي شكل حتى أصبحت الكثير من المنشآت الحكومية وغيرها تتفاخر أنهم طوروا طرقا للحضور والانصراف الكترونيا عبر تطبيقات تعمل في ناطق شبكات الإنترنت الداخلية للمنشأة ليضمنوا تواجد الموظف في هذا النطاق، لكن لا يعني هذا جودة المخرجات، وتعبر في أحسن أحوالها عن عدم الثقة، ولا تعزز المسؤولية وجودة بيئة العمل لدى الموظف.
اليوم إذ نطرح هذا الموضوع الحيوي والمهم الذي يلامس كل موظف، ولكي نكون أكثر دقة في توجيه الموضوع وأي شريحة نقصد، ما نعنيه اليوم هنا هم شريحة الموظفين ما دون القيادات (لأن أغلب القيادات لا يشملهم نظام الحضور والانصراف) وهم الموظفون المتميزون في أعمالهم في القطاعات الحكومية أو الخاصة ولديهم شعور بالمسؤولية عال تجاه أعمالهم ومهامهم المنوطين بها وإنجازها في وقتها المحدد، ويسعون إلى الأفضل على مستوى مبادرات العمل أو تطويرهم المهني وباعتقادي هم الشريحة الأكبر ويستحقون أن نتحدث عنهم، ولكنهم يشعرون في نفس الوقت بقلة الفرص وتباطؤ التطوير الوظيفي وقلة الحوافز المادية أو المعنوية أو الوظيفية، وخاصة في ظل هذه القرارات التي تسعى إلى تنظيم السلالم الوظيفية وغيرها لكن حتى الآن لا يوجد تطوير لمنظومة الحوافز ومن ضمنها مرونة نظام الحضور والانصراف داخل المنشأة المتجاهلة لسنوات خبرتهم وتميزهم في أداء أعمالهم.
أثبتت الدراسات السابقة (أحمد سيد،2019) في هذا المجال أن العمل المرن يسهم في إعطاء حرية أكبر للموظفين في اختيار ساعات العمل والأيام التي يرغبون العمل فيها، وإدارة الوقت بشكل أمثل ومكان وكيفية الإنجاز، مما يتيح لهم بعدا اجتماعيا أرحب يتمثل في إعطاء الفرصة للموظف في الاهتمام بحياته الشخصية، ولها بعد اقتصادي في ضمان ولاء العمل وزيادة الإنتاجية (cola:2006) كما أثبتت دراسة أخرى أن العمل المرن حقق نتائج عديدة إيجابية في مستويات الرضا الوظيفي ومعدلات الأداء، وتلخصت دراسة (عابدين، 2020) من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية أن العمل المرن من ضمن الحوافز لأصحاب الأفكار الريادية والمبدعين ويسهم في خلق روح التفاني والتحدي لديهم، وأظهرت الحكومة الأسترالية دراسة في هذا المجال أن العمل المرن والمدمج بين الحضوري وعن بعد يعزز مشاركة المرأة في السوق العمل ويوفر وصول أكثر إنصافا إلى الصناعات والمهن التي يهيمن عليها الذكور، بما في ذلك الأدوار القيادية.
وفي استطلاع رأي لعدد من المدراء التنفيذيين عن نظام الحضور والانصراف، كانت معظم الإجابات تدور حول عدم أهمية دقة مواعيد حضور الموظفين أو انصرافهم، المهم تسليم الأعمال في الوقت المحدد وإنجاز المطلوب منهم وحضور الاجتماعات أو اللقاءات في مواعيدها المحددة مسبقا، ومن المفارقات الغريبة أن عددا من الإجابات كانت فكرتها متوجهة إلى أن عددا من الموظفين من المناسب أن يعملوا عن بعد لعدم الجدوى من تواجدهم حضوريا داخل مبنى إدارة المنشأة وإشغال حيز من المكان وبالتالي توفير بعض التكاليف التشغيلية أو الخدمات اللوجستية، وترك مساحات لمناصب إدارية أهم في تواجدها، نظام الحضور والانصراف ونظام الحوافر أعتقد أنهما أكبر عنصرين يتحكمان في جودة الوظيفة وبيئة العمل وبالتالي انعكاس ذلك على تعزيز جودة الحياة للفرد ورفع مستويات مؤشرات السعادة، وهي بذلك تقوم باستثمار ناجع من خلال تحسين معنويات الموظفين، وزيادة الرضا الوظيفي لديهم.
أعتقد لو انطلقنا من مبدأ أن ليس هناك علاقة بين الإنتاجية وطول فترة العمل، وبدلا من متابعة الموظفين فيزيائيا بحيث إننا يجب أن نشاهدهم بذواتهم ونتأكد من تواجدهم جسديا في مقر العمل في الوقت المحدد ونسخر التنقية ونظام الحضور والانصراف وأقسام الموارد البشرية لهذه الغائية، علينا أن نتجه ونسخر كل ذلك إلى متابعة أعمالهم المكلفين بها ومدى تحقيق أهداف وخطط المنشأة وبالتالي مستويات الإنجاز ومؤشرات الجودة، وكيفية إنجاح المشروعات، ومناقشة التحديات والصعوبات، وحثهم على الابتكار من خلال ترك لهم مساحات أرحب للتفكير والإبداع الإنساني، والانتقال إلى آفاق أوسع وغزو مناطق جديدة أكثر استثمارا وأنجع إنتاجيا.
كما يمكن الاستفادة القصوى من التقنية الحديثة ونظام الاتصالات المتطورة والذكاء الاصطناعي وسرعة تبادل المعلومات والأتمتة في اتجاهها الصحيح ليس في متابعة الإنسان بذاتيه بل متابعة ما ينتجه الإنسان ويعمل عليه، وأن غايتها العظمى هي خدمة للإنسان وتوفير وقته من الأعمال الروتينية اليومية، وبالتالي تناقص الدواعي للتواجد في مقرات العمل؛ انطلاقا من أن مقرات العمل ليست هي الأماكن الوحيدة للعمل مع أجود كل هذه الوسائل التقنية المتطورة، وبالتالي ترك مساحات أوسع ينتقل فيها الفرد بفكره وذكائه إلى مراحل أخرى من التفكير الابتكاري وفضاءات أرحب من النواتج الإبداعية واكتساب مهارات جديدة ليحصل التقدم والتطور الحقيقي الفارق والمؤثر، وهذا لا يتأتى إلا بخلق توازن مريح بين الحياة الاجتماعية والإنسانية البشرية وبين أجواء العمل الرسمية القاسية.
أعتقد أن الموضوع أصبح جديرا بالمناقشة والدراسة كجزء من منظومة المحفزات في تعزيز المرونة في نظام الحضور والانصراف، وكيف ننمي مستويات الثقة والمسؤولية الوظيفية والاجتماعية لدى الموظفين، وكيف أن يسهم ذلك وينعكس على تعزيز جودة وكفاءة الإنتاج في المنشأة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى