يتفاجأ الوالدان بحركات غريبة يمارسها الأطفال هذه الأيام وكلمات وعبارات يظن البعض أنها تتعلق بجيل اليوم، ولكن بتتبع الخيط لمعرفة مصدر تلك الثقافة يكتشف أن وراءها مشاهير التواصل الاجتماعي الذين صاروا يملكون غالب أوقات حياة الصغار، وهم يجلسون أمام شاشة الجوال أو اللاب توب لمتابعة أحدهم بشغف ويقلدونه في كل كلمة أو فعل.
الأمر يستدعي الوقوف والتمعن لمراجعة المحتوى الذي يقدمه أولئك المشاهير الذين منهم من يقدم محتوى إيجابياً أو فناً راقياً .
ودعا مختصون في علم النفس إلى ضرورة مراقبة الوالدين للمحتوى الذي يتابعه أطفالهم والتحاور معهم.
توضح سيرينا عبدالقادر إحدى رائدات منصات التواصل الاجتماعي أن بث المحتوى عبر مشاهير التواصل الاجتماعي يعتبر مسؤولية مجتمعية تقع على الجميع، ويراعى فيها القيم والمثل والأخلاق الإماراتية، لأننا نمثل الدولة، وممارسة الحرية يجب أن تكون مضبوطة بضوابط محددة، لأن من يتابعونني تختلف أعمارهم وثقافتهم فمنهم الصغير والمراهق والكبير، ولهذا يجب مراعاة شعورهم، وأذواقهم وترك بصمة مفيدة تزيد من ثقافتهم وتعكس النظرة الإيجابية في الحياة.
وتقول: إن القيادة الرشيدة ظلت تقدم المثل العليا والقدوة الحسنة، لهذا يجب علينا أن نعمل على تنفيذ وصاياها وتوجيهاتها بالمحافظة على القيم والموروثات وتقديم الجيد، والصادق في الأفعال والأقوال، وهو ما ينعكس على المحتوى الذي أحرص على تقديمه دائما لمن يتابعون منصتي الخاصة، في ظل التوسع الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي التي باتت تؤدي في الفترة الأخيرة دوراً مهماً وحيوياً.
قدوة سيئة
تشير لنا مهدي خبيرة إعلامية إلى أن العديد من الأطفال يتابعون منصات المشاهير بشغف، وكثيرون يقلدون حركاتهم وأصواتهم دون إدراك أو وعي، ما يتوجب على أولئك المشاهير مراعاة أعمار المشاهدين والمتابعين لهم، إذ يسهل الحصول على برامجهم بمجرد الضغط على الصفحات الخاصة بهم، مشيرة إلى أن بعض المشاهير يعرضون حياتهم اليومية في المنزل دون مراعاة للضوابط، ويحاولون اقناع المتابعين بتلك السلوكيات التي يمارسونها في حياتهم الخاصة، بحيث يشاهدها الجميع وترفضها شريحة كبيرة من المجتمع.
ويصر أولئك المشاهير على فرض ثقافة غريبة على المجتمعات العربية، داعية الى ضرورة التحذير من أولئك الذين ينشرون العادات السلبية، وفي المقابل زيادة الترويج للشخصيات القدوة التي تتحدث عن الأخلاق الفاضلة وتربي الأجيال وتؤثر في المتابعين إيجابياً.
وانتقدت تقديم البعض للحركات والرقصات غير المسؤولة والتي تعتبر دخيلة على الثقافة العربية، مبينة أن هؤلاء ينقصهم الوعي وهمهم زيادة عدد المتابعين والاستفادة من عوائد الإعلانات دون النظر إلى جوهر المواضيع التي يتناولونها، منوهة إلى ضرورة استخدام مواقع التواصل بشكل يفيد المجتمع، ويرسخ لقيم جميلة يمكن أن يتم تداولها والتأثر بها بشكل إيجابي.
مراقبة لصيقة
يقول محمد محمد أحمد أخصائي اجتماعي إن الكثير من الأطفال يتأثرون بقنوات مشاهير التواصل الاجتماعي، وهم الغالبية العظمى من المتابعين، ونجد أن بعض أولئك المشاهير تأتي شهرتهم بسبب أفعال غير قائمة على أسس المبادئ الأخلاقية والإسلامية، ويركز العديد منهم على جلب الشهرة دون التأكد من قيمة المحتوى الذي يقدمه وماتحتويه من قيم ومبادئ، وهذا تأثيره سلبي على المراهقين الذين يرون في ذلك المشهور مثالاً ليقتدوا به.
وأكد أن كثرة مشاهير السوشيال ميديا دون رقابة لمحتوياتهم يسلب هوية الطفل ويجعله أداة طيعة لأفعالهم، لهذا يأتي دور ولي الأمر للأطفال الذين يتابعون مشاهير التواصل الاجتماعي ومنعهم من مشاهدة المحتويات غير الهادفة، مع ضرورة ألا يتم المنع عن طريق العنف والقمع لأن الطفل أو المراهق قد يكون متعلقاً بذلك المشهور ولهذا لابد من اتخاذ اللين في التوجيه والرقابة، وإجراء نقاش هادئ معه حول المحتوى الذي يقدمه المشهور، والفائدة المرجوة من تلك المشاهدة في حياته والمستقبل الذي يريده.
وللوقاية من الآثار السلبية لمتابعة مشاهير التواصل الاجتماعي يجب أن يزرع ولي الأمر في الطفل الاعتماد والثقة في النفس، وأن يكون مستقلاً في أفكاره دون الخضوع للتأثير الخارجي، ويكون مستقلاً في حياته وليس تابعاً ومقلداً للآخرين، وهو مايسمى في علم النفس ب (انفعال الاندهاش) وهو أن يندهش الطفل من كل شيء، وأن يتبع الآخرين في سلوكهم وملبسهم وتفكيرهم، وعليه أن يكون متفرداً في أفعاله وأن يختار مستلزماته دون أن يتدخل أحد.
بدائل مهمة
توضح أمل المرشدي مستشارة تنمية بشرية وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي بأن التقليد والمحاكاة هي عمليَّة ملاحظة الطفل لسلوكيات بعض الأشخاص المحبَّبة له، ومن ثمَّ يعمل على تكرار هذه السلوكيات؛ وتعتبر أهم الوسائل التي يكتسب الطفل من خلالها العديد من المهارات والسلوكيات بجانبيها الإيجابي والسلبي، ابتداء من تقليد الوالدين والإخوة، إلى المجتمع المحيط بالطفل، مشيرة إلى أن بعض المشاهير كلماتهم لا تليق بالبث الذي يعرضونه ولا يراعون اختلاف أعمار متابعيهم.
وتضيف أن ما يقوم به الوالدان من دور توجيهي يعتبر أمراً ضرورياً لحماية الأطفال من الظواهر الغريبة التي باتت تخترق حياتنا اليومية عبر قنوات التواصل الاجتماعي والتي لم يعد تنفع معها الأساليب القديمة، فتجد نفسك غارقاً بين جيدٍ و مبتذل ولا تكاد تجزم بجودة محتوى أحدهم حتى تنصدم فيما بين السطور من تصرفات وألفاظ وملابس لا تليق بمجتمعاتنا، ويبدأ أطفالنا بمحاكاتها، حتى أنهم أصبحوا لا يتقبلون النقد لأنهم يَرَوْن هذه التصرفات عادية ويصنفها الآخرون حرية شخصية لذا فالعمل على زراعة القيم في الأطفال ومتابعة سقيها من وقت لآخر سيكون بمثابة الظل الذي يستظلون به مستقبلاً.
وتبين أن عدداً من مشاهير التواصل الاجتماعي يستخفون بالمتابعين الذين يشاهدونهم، يتحدثون بألفاظ لا تليق بمن يشاهدونهم خاصة فئة الأطفال التي تتابع العديد منهم، فليس كل شخص مؤهل لأن يظهر على منصات التواصل الاجتماعي، فإذا أراد من يرى نفسه مؤهلاً للظهور على برامج التواصل الاجتماعي، عليه أن يتحلى بالأخلاق وصفات القدوة ويدرك جيداً أن الكلمات والأفعال على (اللايف) لها تأثير كبير فيمن يتابعه.
ونادت بضرورة ضبط أولئك ومحاسبتهم قانونياً حتى يتم ردعهم ويكونوا عبرة للأخرين.
جرعات علاجية
تقول رقية الريسي إخصائية نفسية ومسؤولة منصة الشباب، في (جمعية الاجتماعيين) الإمارتية، إن مواقع التواصل صارت سلاحاً ذا حدين، بعد أن انتشرت في الفترة الأخيرة، وهناك فئة من أفراد المجتمع يتخذونهم قدوة لهم (التقليد الأعمى)، ولاسيما فئة الأطفال الذين هم ضحايا لمن يغزون فكرهم وثقافتهم وتغيير معتقداتهم وأصبح المشاهير جزءاً لا يتجزأ من حياتهم.
وإن هذا العالم الافتراضي أثر في سلوك الأطفال بشكل كبير حيث فقد العديد منهم الحوار الأسري مع أفراد أسرهم، والمحيط العائلي وأيضاً انعزالهم عن الآخرين مايؤثر في بناء شخصياتهم وتقمص شخصيات أكبر من مستوى فكرهم، من الناحية الجسدية فهم يتأثرون صحياً بسبب الجلوس لساعات طويلة ما يؤدي إلى عدم قُدرتهم على الإبداع.