على إثر إخفاق الربيع العربي في تحقيق أحلام تنظيمات الإسلام السياسي بالجلوس على عروش الدول العربية، بدأت تلك الجماعات في مراجعات مستمرة تتجرع مرارة الفرصة التي أتتها وذهبت سدى بعدما كان حكم العالم العربي قاب قوسين أو أدنى من أيديهم، لقد كانوا متأكدين من أنهم قد ملكوا الحجر والبشر في مصر وليبيا وتونس وفي طريقهم للاستيلاء على سوريا واليمن وأخيرا السعودية، فإذا بهم يخرجون من المولد بلا حمص كما يقول المثل الشهير.
أبدا لم يقل تنظيم الإخوان الذين تناسلت منهم جماعات الإسلام السياسي أن المشكلة منهم، وأن الإخفاق كان بسبب خداعهم وتآمرهم وأنانيتهم، لقد كان العالم العربي في الطريق نحو ديكتاتورية الحزب والجماعة، التي تتحدث باسم الرب فكيف يمكن إقناع الإخوان المسلمين أنهم ليسوا المُصطفين ولا يمثلون الله وأن الجميع هم عباده وخلقه.
أثمرت المراجعات التي تمت بين إسطنبول وبرلين والدوحة وتونس على أن السعودية كانت وراء فشل موجة الربيع العربي الأولى، وأن أي نجاح لموجة ثانية تتطلب أولا تدمير المملكة حسب خطتهم.
عندما انطلقت الموجة الأولى من الاحتجاجات العام 2010-2011 من تونس ثم مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين وعُمان، كانت السعودية هي الجائزة الكبرى التي سعوا لها، ففيها مخازن النفط وتحتضن الحرمين وموقع جيوسياسي لا مثيل له، كان المخطط يقوم على تطويقها وحرمانها من حلفائها أولا لتسهيل الانقضاض عليها وإسقاطها من الداخل، لقد تبدل الأمر اليوم لإسقاطها من الخارج.
كان من أكثر المؤمنين بهذه النظرية الصحفي الراحل جمال خاشقجي وعبر عن ذلك في أكثر من مناسبة في لقاءاته وحواراته التلفزيونية، وعبر عن خطئه وخطأ زملائه الذين راهنوا على أن الثورة المصرية ستكون هي الموجة الكبرى التي ستجتاح العالم العربي، مؤمنين بنظرية أن انهيار مصر سيعجل بانهيار البقية، لم يكن يدور في خلدهم أن بدو الصحراء كانوا بالمرصاد وأنهم وأدوا ذلك الربيع في مرقده، لا لشيء. إلا لأنه مؤامرة هدفها قتل وتشريد الملايين.
وفي سعي جمال إلى تطبيقها والبدء في تفعيلها على الأرض قام بإنشاء جمعية تعمل بين أمريكا وإسطنبول باسم فجر تسعى للتأثير في شبان العالم العربي للقيام بموجة ثانية من الربيع.
ومن أجل تحقيق ذلك تبنت كل من قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان صناعة الموجة الجديدة على أن تبدأ من السعودية، ومن ثم تنطلق إلى بقية العالم العربي لخلق فوضى عارمة تستفيد منها تركيا وتأتي بجيوشها من المرتزقة والجماعات الإسلاموية التي تكدسها في إدلب وشمال سوريا لاحتلال الدول العربية في سعيها لإنشاء الإمبراطورية التركية.
تمثلت الخطة في التالي..
أولا.. خلق عدو حتى ولو كان غير حقيقي لإنشاء ما يسمى بنظرية التضاد التي تدفع الآخرين لأن تكون مع أو ضد، وكان ذلك واضحا في تعمُّد الإساءة للأمير محمد بن سلمان، وإشعال المؤسسات الإعلامية ضده، واعتباره الخصم الأول لنجاح المشروع.. هل كان ذلك جديدا، لا بالطبع. لقد كان ذلك قائما مع كل القيادات قبيل الربيع العربي في نسخته الأولى، عندما تمت شيطنتهم لتبرير الثورات عليهم.
ثانيا.. تفعيل جيش إلكتروني داخل السعودية بعدما تحولت وسائل التواصل داخل المملكة إلى كتلة شعبية صلبة ضد أي محاولات لتثوير الشارع، سمي الجيش بالنحل الإلكتروني وسعى جمال لضم آلاف الشباب إليه ليكونوا وقود الثورة القادمة.
ثالثا.. خنق السعودية دوليا وتسخين الرأي العام الغربي ضد الرياض وعلى وجه الخصوص الأمريكان، من خلال قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان وقوى اليسار الغربية خاصة ألمانيا وكندا والحزب الديموقراطي الأمريكي، والإعداد لخلق ما يسمى بقابس التفجير الذي يطلق شرارة الاحتجاجات في الداخل ليكمل بعدها إعلام اليسار والجزيرة المهمة.
رابعا.. إخراج مئات من شبيبة الإخوان السعوديين في توقيتات متقاربة وتصويرها بأنها هروب جماعي من حالة قمعية تجتاح السعودية، لخلق حالة تعاطف شعبية وإعلامية غربية، الفكرة كانت شبيهة بإخراج آلاف السعوديين للالتحاق بمواطن الفتن وما يسمى الجهاد لقد كان الهدف منها إقناع المراكز السياسية الغربية بأن هؤلاء الشباب اتجهوا للتطرف لأن السعودية بلد لا تعطيهم فرصة للحياة ولم يجدوا غير الموت سبيلا.
خامسا.. الدفع بالفتيات للهروب من المملكة لترسيخ صورة مختلقة عن الدولة الرجعية المتخلفة في الذهنية الغربية، وإحراج السياسيين الغربيين، ودفعهم لتبني خطاب مضاد للرياض وربما اندفاعهم إلى معادتها، لقد كانت خطة محكمة لهدم السعودية وتشريد شعبها والقضاء عليها واستبدالها بدويلات يحكمها مطلقات الإخوان، لكن السعودية والسعوديين أحبطوها في مهدها وأشعلوا النيران في ثياب صانعيها.