كثيراً ما يتساءل المراقبون لماذا يفضل أغلبية الهاربين السعوديين العاصمة البريطانية لندن؟، وكأن لندن هي ملاذ يطمئنون إليه، ويعلمون يقيناً أنهم سيجدون في بريطانيا حلفاء وحاضنين.
قصة الهروب واللجوء إلى لندن لم تبدأ اليوم، بل مبكراً منذ العام 1993م.
لكن دعونا نعود لإرهاصات نشوء لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية أو هكذا سمّت نفسها وهي تضم أهم الهاربين إلى بريطانيا، لم تكن اللجنة تدافع عن الحقوق كما سمّت نفسها، بل هي في حقيقة الأمر إحدى أذرع تنظيم الإخوان المسلمين، التنظيم الذي حاول استغلال تداعيات احتلال العراق للكويت، وابتزاز الحكومة السعودية، سعياً لاقتطاع الحكم أو جزء منه.
قبل الإعلان عن التنظيم المارق الذي قاده سعد الفقيه والمسعري وعدد من أعضاء التنظيم الآخرين، تم تهيئة المناخ الداخلي بالتهييج وإطلاق الأشرطة والخطب، وتصوير وصول الجنود الأمريكان وبقية الجيوش الغربية هو تهديد لعقيدة بلاد الحرمين وزعزعة للشريعة -نفس خطاب عادل المبيض- كان الهدف خلق حالة توتر شديدة بين الشارع والحكومة، وتحريض العامة للاصطدام بالدولة، ونقض الولاء، ودفع الشارع للوقوف مع خطابهم المتطرف.
لم يكتفوا بذلك بل دفعوا ذراعهم العسكرية الإرهابية بقيادة أسامة بالقيام ببعض العمليات لتهديد الدولة، ثم الطلب منها إيقاف استقبال القوات الغربية والعربية والإسلامية، واستبدالها بمليشيات من تنظيم القاعدة بقيادة ابن لادن والظواهري، وإعطائها حق التواجد على الحدود السعودية والكويتية، وداخل المدن السعودية، كان احتلالاً إضافياً لتهديد العراق باحتلال الأراضي الخليجية.
لم ترضخ الحكومة السعودية، واعتبرت ذلك جزءاً من هرطقات الإخوان، ومحاولاتهم العديدة، لاختراق المنظومة الأمنية والعسكرية للسعودية.
اختراق المنظومة المجتمعية استمر، وكانت بعض المنابر تردد الخطاب الإخواني المتطرف وتحرّض الناس على دولتهم، بالرغم من الموقف الحرج الذي تعيشه المنطقة وتداعيات الغزو، وعدم معرفة الجميع بالنتائج النهائية.
كان موقفاً عصيباً لكن فاقدي الوطنية وفاقدي القيم ومكارم الأخلاق اصطفوا ضد أوطانهم ليس في السعودية فحسب بل حتى الكويت وقف تنظيم الإخوان ضد بلاده وساوم صدام على حكم الكويت، وشهادة السفير الكويتي في واشنطن أثناء الغزو الشيخ المرحوم سعود الناصر الصباح، موجودة ويمكن الرجوع إليها.
في العام 1993م، ظن التنظيم السري أن الوقت قد حان لإعلان حزب سياسي إخواني تحت مسمى (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية)، والتي صدرت بحقها فتاوى شرعية تؤكد أنها تنظيم خرج عن البيعة ويهدد الأمن والسلم الاجتماعي.
إثر ذلك هرب عدد من القياديين، لكنهم اختاروا لندن التي كانت جاهزة لاستقبالهم واحتضنتهم وسهّلت أعمالهم، يبدو أن ذلك يرجع لأن التنظيم الأم الإخوان خرج من رحم المخابرات البريطانية.
من يعرف تعقيدات الحياة في بريطانيا وتكلفتها العالية، يفهم أن هناك حاضناً إنجليزياً يساعد تلك الكوادر في الوصول، ومن ثم تنظيم إجراءاتهم وأوراقهم، وهناك ممولون يدفعون للهاربين وعلى رأسهم إيران وليبيا سابقاً وبعض الدول المعادية، فضلاً عن التنظيم الدولي الذي يهيئ ويدفع لأعضائه.
اليوم تتكرر نفس القصة بعد ثلاثين عاماً، يهرب عماد المبيض المتطرف، والذي أطلق نفس أدبيات من سبقه، تحريضاً وغشاً للناس بأن دينهم وبلادهم مهددة خطاب سقط كما سقط كل من حرض ودعا للفتنة.
إنها لندن أيها السادة يهرب إليها عواجيز التنظيم، أما أولاد وبنات الفاشلين والساقطين دراسياً وحياتياً من شبيبة التنظيم فيهربون إلى كندا، إنه تبادل الأدوار بين العجوز بريطانيا وربيبتها كندا.